فصل: باب تكون ألفُ الندبة فيه تابعة لما قبلها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **


  هذا باب الندبة

اعلم أن المندوب مدعوّ ولكنه متفجّع عليه فإن شئت ألحقتَ في آخر الاسم الألف لأن الندبة كأنهم يترنمون فيها وإن شئت لم تُلحق كما لم تلحق في النداء‏.‏

واعلم أن المندوب لابد له من أن يكون قبل اسمه يا أو وا كما لزم يا المستغاثَ به والمتعجَّبَ منه‏.‏

واعلم أن الألف التي تلحق المندوب تُبتح كلُّ حركة قبلها مكسورة كانت أو مضمومة لأنها تابعة للألف ولا يكون ما قبل الألف إلا مفتوحاً‏.‏

فأما ما تلحقه الألف فقولك‏:‏ وازيداه إذا لم تُضف الى نفسك وإن أضفتَ الى نفسك فهو سواء لأنك إذا أضفتَ زيداً الى نفسك فالدالُ مكسورة وإذا لم تُضف فالدال مضمومة ففتحت المكسور كما فتحت المضموم‏.‏

ومن قال يا غلامي وقرأ يا عبادي قال‏:‏ وازيدِيا إذا أضاف من قبل أنه إنما جاء بالألف فألحقها الياء وحرّكها في لغة من جزم الياء لأنه لا ينجزم حرفان وحرّكها بالفتح لأنه لا يكون ما قبل الألف إلا مفتوحاً‏.‏

وزعم الخليل أنه يجوز في النّدبة واغلامِيَهْ من قبل أنه قد يجوز أن أقول واغُلاميَ فأبيّن الياء كما أبينها في غير النداء وهي في غير النداء مبيّنة فيها للغتان‏:‏ الفتح والوقف‏.‏

ومن لغة مَن يفتح أن يُلحق الهاء في الوقف حين يبيّن الحركة كما أُلحقت الهاء بعد الألف في الوقف لأن يكون أوضحَ لها في قولك يا رَبّاه‏.‏

فإذا بيّنت الياء في النداء كما بينتها في غير النداء جاز فيها ما جاز إذا كانت غيرَ نداء‏.‏

قال الشاعر وهو ابن قيس الرُقيّات‏:‏ تبكيهم دَهماءُ مُعولةً وتقول سلمى وارَزِيّتِيَهْ وإذا لم تُلحق الألفَ قلت‏:‏ وازيدُ إذا لم تُضف ووازيدِ إذا أضفت وإن شئت قلت‏:‏ وازيدي‏.‏

والإلحاق وغير الإلحاق عربي فيما زعم الخليل رحمه الله ويونس‏.‏

وإذا أضفت المندوب وأضفتَ الى نفسك المضاف إليه المندوبُ فالياء فيه أبداً بيّنة وإن شئت ألحقت الألف وإن شئت لم تُلحق‏.‏

وذلك قولك‏:‏ وانقطاع ظهرياهْ ووا انقطاعَ ظهري‏.‏

وإنما لزمتْه الياء لأنه غير منادى‏.‏

واعلم أنك إذا وصلتَ كلامَك ذهبتْ هذه الهاء في جميع الندبة كما تذهب في الصلة إذا كانت تبيَّن به الحركة‏.‏

وتقول‏:‏ واغلامَ زيداه إذا لم تُضف زيداً الى نفسك‏.‏

وإنما حذفت التنوين لأنه لا ينجزم حرفان‏.‏

ولم يحرّكوها في هذا الموضع في النداء إذ كانت زيادة غير منفصلة من الاسم فصارت تعاقب وكانت أخفَّ عليهم فهذا في النداء أحرى لأنه موضع حذف‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ واغلامَ زيد كما قلت وازيدُ‏.‏

وزعموا أن هذا البيت يُنشَد على وجهين وهو قول رؤبة‏:‏ فهْي تُنادي بأبي وابْنِيما ويروى‏:‏ بأبا وابناما فما فضلٌ وإنما حكى نُدبتَها‏.‏

واعلم أنه إذا وافقت الياء الساكنة ياءَ الإضافة في النداء لم تحذف أبداً ياء الإضافة ولم يُكسر ما قبلها كراهيةً للكسرة في الياء ولكنهم يلحقون ياءَ الإضافة وينصبونها لئلا ينجزم حرفان‏.‏

وإذا ندبت فأنت بالخيار‏:‏ إن شئت ألحقت الألفَ وإن لم تُلحق جاز كما جاز ذلك في غيره‏.‏

وذلك قولك‏:‏ واغلامَيّاهْ وواقاضياهْ وواغلاميّ وواقاضيّ يصير مجراه ها هنا كمجراه في غير الندبة إلا أن لك في الندبة أن تلحق الألف‏.‏

وكذلك الألف إذا أضفتها إليك مجراها في الندبة كمجراها في الخبر إذا أضفت إليك‏.‏

وإذا وافقت ياء الإضافة ألفاً لم تحرَّك الألف لأنها إن حرِّكت صارت ياء والياء لا تدخلها كسرةٌ في هذا الموضع‏.‏

فلما كان تغييرهم إياها يدعوهم الى ياء أخرى وكسرة تركوها على حالها كما تُركت ياء قاضي إذ لم يخافوا التباساً وكانت أخفّ وأثبتوا ياء الإضافة ونصبوها لأنه لا ينجزم حرفان‏.‏

فإذا ندبت فأنت بالخيار إن شئت ألحقت الألف كما ألحقتها في الأول وإن شئت لم تُلحقها وذلك قولك‏:‏ وامُثنّاياه وامُثنّاي‏.‏

فإن لم تُضف الى نفسك قلت‏:‏ وا مُثنّاه وتحذف الأول لأنه لا ينجزم حرفان ولم يخافوا التباساً‏:‏ فذهبتْ كما تذهب في الألف واللام ولم يكن كالياء لأنه لا يدخلها نصبٌ‏.‏

  باب تكون ألفُ الندبة فيه تابعة لما قبلها

إن كان مكسوراً فهي ياء وإن كان مضموماً فهي واو‏.‏

وإنما جعلوها تابعة ليفرقوا بين المذكر والمؤنث وبين الاثنين والجميع وذلك قولك‏:‏ واظهْرَهُوهْ إذا أضفت الظهر الى مذكر وإنما جعلتها واواً لتفرق بين المذكر والمؤنث إذا قلت‏:‏ واظهرَهاهْ‏.‏

وتقول‏:‏ واظهرهُموه وإنما جعلت الألف واواً لتفرق بين الاثنين والجميع إذا قلت‏:‏ واظهرهُماه‏.‏

وإنما حذفت الحرف الأول لأنه لا ينجزم حرفان كما حذفت الألف الأول من قولك وامُثنّاه‏.‏

وتقول‏:‏ واغلامَكِيهْ إذا أضفت الغلام الى مؤنث‏.‏

وإنما فعلوا ذلك ليفرقوا بينها وبين المذكر إذا قلت‏:‏ واغُلامَكاه‏.‏

وتقول‏:‏ واانقطاعَ ظهرهُوه في قول من قال‏:‏ مررت بظهرهو قبل‏.‏

وتقول‏:‏ وانقطاع ظهرِهيهْ‏.‏

في وتقول‏:‏ واأبا عمرياه وإن كنت إنما تندب الأب وإياه تضيف الى نفسك لا عَمراً من قبل أن عمراً مجراه هنا كمجراه لو كان لك لأنه لا يستقيم لك إضافة الأب إليك حتى تجعل عمراً كأنه لك لأن ياء الإضافة عليه تقع ولا تحذفها لأن عمراً غير منادى‏.‏

ألا ترى أنك تقول يا أبا عَمري‏.‏

ومما يدلّك على أن عمراً ها هنا بمنزلته لو كان لك أنه لا يجوز أن تقول هذا أبو النّضرِك ولا هذه ثلاثةُ الأثوابِك إذا أردت أن تضيف الأب والثلاثة من قبل أنه لا يسوغ لك ولا تصل الى أن تضيف الأول حتى تجعل الآخِر مضافاً إليك كأنه لك‏.‏

 هذا باب ما لا تلحقه الألف التي تلحق المندوب

وذلك قولك‏:‏ وازيدُ الظريفُ والظريفَ‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أنه منعه من أن يقول الظريفاه أن الظريف ليس بمنادى ولو جاز ذا لقلت‏:‏ وازيدُ أنت الفارسُ البَطَلاهْ لأن هذا غير منادى كما أن ذلك غير نداء‏.‏

وليس هذا كقولك‏:‏ واأميرَ المؤمنيناه ولا مثل‏:‏ واعبدَ قيساه من قبل أن المضاف والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد منفرد والمضاف إليه هو تمام الاسم ومقتضاه ومن الاسم‏.‏

ألا ترى أنك لو قلت عبداً أو أميراً وأنت تريد الإضافة لم يجز لك‏.‏

ولو قلت هذا زيد كنتَ في الصفة بالخيار إن شئت وصفتَ وإن شئت لم تصف‏.‏

ولستَ في المضاف إليه بالخيار لأنه من تمام الاسم وإنما هو بدل من التنوين‏.‏

ويدلك على ذلك أن ألف الندبة إنما تقع على المضاف إليه كما تقع على آخر الاسم المفرد ولا تقع على المضاف والموصوف إنما تقع ألفُ الندبة عليه لا على الوصف‏.‏

وأما يونس فيلحق الصفة الألف فيقول‏:‏ وازيدُ الظريفاه واجُمجمتيّ الشّاميّتيْناه‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أن هذا خطأ‏.‏

وتقول‏:‏ واقهسرُوناه لأن هذا اسم مفرد‏.‏

وكذلك رجل سُمّي باثنَيْ عشر تقول‏:‏ واثنا عشرَاه لأنه اسم مفرد بمنزله قِنّسرين‏.‏

وإذا ندبت رجلاً يسمى ضربوا قلت‏:‏ واضَربوه‏.‏

وإن سُمي ضرباً قلت‏:‏ واضرباه‏.‏

فهذا بمنزلة واغلامَهاه جعلت ألف الندبة تابعة لتفرق بين الاثنين والجميع‏.‏

ولو سميتَ رجلاً بغلامهم أو غلامهما لم تحرّف واحداً منهما عن حاله قبل أن يكون اسماً ولتركته على حاله الأول في كل شيء‏.‏

فكذلك ضربا وضربوا إنما تحكي الحال الأولى قبل أن يكونا اسمين وصارت الألف تابعة لهما كما تبعت التثنية والجمع قبل أن يكونا اسمين نحو

  هذا باب ما لا يجوز أن يُندب

وذلك قولك‏:‏ وارَجُلاه ويا رُجلاه‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله ويونس أنه قبيح وأنه لا يقال‏.‏

وقال الخليل رحمه الله‏:‏ إنما قبح لأنك أبهمت‏.‏

ألا ترى أنك لو قلت واهذاه كان قبيحاً لأنك إذا ندبت فإنما ينبغي لك أن تفجّع بأعرف الأسماء وأن تخصّ ولا تُبهم لأن الندبة على البيان ولو جاز هذا لجاز يا رجلاً ظريفاً فكنت نادباً نكرة‏.‏

وإنما كرهوا ذلك أنه تفاحَش عندهم أن يختلطوا وأن يتفجّعوا على غير معروف‏.‏

فكذلك تفاحش عندهم في المبهَم لإبهامه لأنك إذا ندبت تُخبر أنك قد وقعت في عظيم وأصابك جسيمٌ من الأمر فلا ينبغي لك أن تُبهم‏.‏

وكذلك‏:‏ وامَن في الداراه في القبح‏.‏

وزعم أنه لا يستقبح وامَن حفر بئر زَمزماه لأن هذا معروف بعينه وكأن التبيين في الندبة عذر للتفجع‏.‏

فعلى هذا جرت الندبة في كلام العرب‏.‏

ولو قلت هذا لقلت وامن لا يعنين أمرُهوه‏.‏

فإذا كان ذا تُرك لأنه لا يُعذر على أن يُتفجّع عليه فهو لا يُعذر بأن يتفجّع ويُبهم كما لا يُعذر على أن يتفجّع على من لا يعنيه أمره‏.‏

  باب يكون الاسمان فيه بمنزلة اسم واحد

وذلك قولك‏:‏ واثلاثةً وثلاثيناه‏.‏

وإن لم تندب قلت‏:‏ يا ثلاثةً وثلاثين كأنك قلت يا ضارباً رجلاً‏.‏

وليس هذا بمنزلة قولك يا زيدُ وعمرو لأنك حين قلت يا زيدُ وعمرو جمعت بين اسمين كلُ واحد منهما مفرد يُتوهّم على حياله وإذا قلت يا ثلاثةً وثلاثين فلم تُفرد الثلاثة من الثلاثين لتُتوهّم على حيالها ولا الثلاثين من الثلاثة‏.‏

ألا ترى أنك تقول يا زيدُ ويا عمرو ولا تقول يا ثلاثة ويا ثلاثون لأنك لم ترد أن تجعل كل واحد منهما على حياله فصار بمنزلة قولك ثلاثة عشر لأنك لم ترد أن تفصل ثلاثةً من العشرة ليتوهّموها على حيالها‏.‏

ولزمها النصب كما لزم يا ضارباً رجلاً حين طال الكلام‏.‏

وقال‏:‏ يا ضارباً رجلاً معرفة كقولك يا ضاربُ ولكن التنوين إنما يثبت لأنه وسط الاسم ورجلاً من تمام الاسم فصار التنوين بمنزلة حرف قبل آخر الاسم‏.‏

ألا ترى أنك لو سمّيت رجلاً خيراً منك لقلت يا خيراً منك فألزمته التنوين وهو معرفة لأن الراء ليست آخر الاسم ولا منتهاه فصار بمنزلة الذي إذا قلت هذا الذي فعل‏.‏

فكما أن خيراً منك لزمه التنوين وهو معرفة كذلك لزم ضارباً رجلاً لأن الباء ليست منتهى الاسم وإنما يُحذب التنوين في النداء من آخر الاسم‏.‏

فلما لزمت التنوينة وطال الكلام رجع الى أصله‏.‏

وكذلك ضارب رجل إذا ألقيت التنوين تخفيفاً لأن الرجل لا يجعل ضارباً نكرة إذا أردت معنى التنوين كما لا يجعله معرفة في غير النداء إذا أردت معنى التنوين وحذفته نحو قولك‏:‏ هذا ضاربُك قاعداً‏.‏

ألا ترى أن حذف التنوين كثباته لا يغيّر الفاعل إذا كنت تحذفه وأنت تريد معناه‏.‏

وأما قولك يا أخا رجل فلا يكون الأخ ها هنا إلا نكرة لأنه مضاف الى نكرة كما أن الموصوف بالنكرة لا يكون إلا نكرة ولا يكون الرجل ههنا بمنزلته إذا كان منادى لأنه ثم يدخله التنوين وجاز لك أن تريد معنى الألف واللام ولا تلفظ بهما وهو هنا غير منادى وهو نكرة فجُعل ما أضيف إليه بمنزلته‏.‏

  باب الحروف التي ينبه بها المدعو

فأما الاسم غيرُ المندوب فينبَّه بخمسة أشياء‏:‏ بيا وأيا وهَيا وأي وبالألف‏.‏

نحو قولك‏:‏ أحارِ بنَ عمرٍو‏.‏

إلا أن الأربعة غير الألف قد يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشيء المتراخي عنهم والإنسان المعرض عنهم الذي يُرَون أنه لا يُقبل عليهم إلا بالاجتهاد أو النائم المستثقل‏.‏

وقد يستعملون هذه التي للمد في موضع الألف ولا يستعملون الألف في هذه المواضع التي يمدون فيها‏.‏

وقد يجوز لك أن تستعمل هذه الخمسة غيروا إذا كان صاحبك قريباً منك وإن شئت حذفتهن كلهن استغناءً كقولك‏:‏ حار بنَ كعبٍ وذلك أنه جعلهم بمنزلة مَن هو مقبِلٌ عليه بحضرته يخاطبه‏.‏

ولا يحسن أن تقول‏:‏ هذا ولا رجلُ وأنت تريد‏:‏ يا هذا ويا رجلُ ولا يجوز ذلك في المبهم لأن الحرف الذي ينبَّه به لزم المبهم كأنه صار بدلاً من أيُّ حين حذفته فلم تقل يا أيها الرجل ولا يا أيهذا ولكنك تقول إن شئت‏:‏ مَن لايزال مُحسناً أفعل كذا وكذا لأنه لا يكون وصفاً لأي‏.‏

وقد يجوز حذفُ يا من النكرة في الشعر وقال العجّاج‏:‏ جاريَ لا تستنكِري عَذيري يريد يا جاريةُ‏.‏

وقال في مَثَل‏:‏ افتَدِ مخنوقُ وأصبِحْ ليلُ وأطرِقْ كَرا‏.‏

وليس هذا بكثير ولا بقويّ‏.‏

وأما المستغاث به فيا لازمة له لأنه يجتهد‏.‏

فكذلك المتعجَّب منه وذلك‏:‏ يا لَلناس ويا لَلماء‏.‏

وإنما اجتهد لأن المستغاث عندهم متراخ أو غافل والتعجب كذلك‏.‏

والندبة يلزمها يا ووا لأنهم يحتلطون ويدعون ما قد فات وبعد عنهم‏.‏

ومع ذلك أن الندبة كأنهم يترنمون فيها فمن ثم ألزموها المدّ وألحقوا آخر الاسم المدَّ مبالغةً في الترنّم‏.‏

  ما جرى على حرف النداء وصفاً له وليس بمنادى ينبّهه غيره

ولكنه اختُصّ كما أن المنادى مختصّ من بين أمته لأمرك ونهيك أو خبرك‏.‏

فالاختصاص أجرى هذا على حرف النداء كما أن التسوية أجرت ما ليس باستخبار ولا استفهام على حرف الاستفهام لأنك تسوّي فيه كما تسوي في الاستفهام‏.‏

فالتسوية أجرتْه على حرف الاستفهام والاختصاصُ أجرى هذا على حرف النداء‏.‏

وذلك قولك‏:‏ ما أدري أفَعلَ أم لم يفعل‏.‏

فجرى هذا كقولك أزيدٌ عندك أم عمرو وأزيدٌ أفضلُ أم خالدٌ إذا استفهمتَ لأن علمك قد استوى فيهما كما استوى عليك الأمران في الأول‏.‏

فهذا نظير الذي جرى على حرف النداء‏.‏

وذلك قولك‏:‏ أما أنا فأفعل كذا وكذا أيها الرجل ونفعل نحن كذا وكذا أيها القوم وعلى المضارب الوضيعةُ أيها البائع واللهم اغفِر لنا أيتها العصابة وأردت أن تختصّ ولا تُبهم حين قلت‏:‏ أيتها العصابةُ وأيها الرجل أراد أن يؤكد لأنه قد اختصّ حين قال أنا ولكنه أكد كما تقول للذي هو مقبلٌ عليه بوجهه مستمعٌ منصِتٌ لك‏:‏ كذا كان الأمر يا أبا فلان توكيداً‏.‏

ولا تُدخل يا ها هنا لأنك لست تنبّه غيرك‏.‏

يعني‏:‏ اللهمّ غفر لنا أيتها العصابة‏.‏

يجري على ما جرى عليه النداء فيجيء لفظه على موضع النداء نصباً لأن موضع النداء نصب ولا تجري الأسماء فيه مجراها في النداء لأنهم لم يجروها على حروف النداء ولكنهم أجروها على ما حمل عليه النداء‏.‏

وذلك قولك‏:‏ إنا معشرَ العرب نفعل كذا وكذا كأنه قال‏:‏ أعني ولكنه فعلٌ لا يظهر ولا يُستعمل كما لم يكن ذلك في النداء لأنهم اكتفوا بعلم المخاطَب وأنهم لا يريدون أن يحملوا الكلام على أوله ولكن ما بعده محمول على أوله‏.‏

وذلك نحو قوله وهو عمرو بن الأهتَم‏:‏ إنّا بني مِنقرٍ قومٌ ذوو حسَبٍ فينا سَراةُ بني سعدٍ وناديَها وقال الفرزدق‏:‏ ألم ترَ أنّا بني دارِمٍ زُرارةُ منا أبو معبدِ فإنما اختُصّ الاسم هنا ليعرَف بما حُمل على الكلام الأول وفيه معنى الافتخار‏.‏

وقال رؤبة‏:‏ بنا تميماً يُكشف الضّبابْ وقال‏:‏ نحن العُربَ أقرى الناس لضيف فإنما أدخلتَ الألف واللام لأنك أجريت الكلام على ما النداء عليه ولم تُجره مجرى الأسماء في النداء‏.‏

ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول‏:‏ يا العربَ وإنما دخل في هذا الباب من حروف النداء أيُّ وحدَها فجرى مجراه في النداء‏.‏

نحن بنو أمِّ البنينَ الأربعه ونحن خيرُ عامر بنِ صَعصعَهْ فلا يُنشدونه إلا رفعاً لأنه لم يرد أن يجعلهم إذا افتخروا أن يُعرَفوا بأن عدّتهم أربعة ولكنهم جعل الأربعة وصفاً ثم قال‏:‏ المُطعمِون الفاعلون بعدما حلاّهم ليُعرَفوا‏.‏

وإذا صغّرتَ الأمر فهو بمنزلة تعظيم الأمر في هذا الباب وذلك قولك‏:‏ إنا معشرَ الصعاليك لا قوةَ بنا على المُروّة‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أن قولهم‏:‏ بك اللهَ نرجو الفضلَ وسُبحانك اللهَ العظيمَ نصبُه كنصب ما قبله وفيه معنى التعظيم‏.‏

وزعم أن دخول أيّ في هذا الباب يدل على أنه محمول على ما حُمل عليه النداء يعني أيتها العصابة فكان هذا عندهم في الأصل أن يقولوا فيه يا ولكنهم خزلوها وأسقطوها حين أجروه على الأصل‏.‏

واعلم أنه لا يجوز لك أن تُبهم في هذا الباب فتقول‏:‏ إني هذا أفعلُ كذا وكذا ولكن تقول‏:‏ إني زيداً أفعلُ‏.‏

ولا يجوز أن تذكر إلا اسماً معروفاً لأن الأسماء إنما تُذكرها توكيداً وتوضيحاً هنا للمضمَر وتذكيراً وإذا أبهمتَ فقد جئت بما هو أشكلُ من المضمَر‏.‏

ولو جاز هذا لجازت النكرةُ فقلتَ إنا قوماً فليس هذا من مواضع النكرة والمبهَم ولكن هذا موضعُ بيان كما كانت الندبةُ موضعَ بيان فقبُح إذ ذكروا الأمر توكيداً لما يعظّمون أمرَه أن يذكروا مبهماً‏.‏

وأكثر الأسماء دخولاً في هذا الباب بنو فلان ومعشَر مُضافةً وأهل البيت وآل فلان‏.‏

ولا يجوز أن تقول إنهم فعلوا أيتها العصابةُ إنما يجوز هذا للمتكلم والمكلَّم المنادى كما أن هذا لا يجوز إلا لحاضر‏.‏

وسألت الخليل رحمه الله ويونس عن نصب قول الصّلَتان العبدي‏:‏ يا شاعراً لا شاعرَ اليومَ مثلَه جَريرٌ ولكنْ في كليبٍ تواضعُ فزعما أنه غير منادى وإنما انتصب على إضمار كأنه قال يا قائل الشعر شاعراً وفيه معنى حسبُك به شاعراً‏.‏

كأنه حيث نادى قال حسبُك به ولكنه أضمر كما أضمروا في قوله‏:‏ تالله رجلاً وما أشبهه مما ستجده في الكتاب إن شاء الله عز وجل‏.‏

ومما جاء وفيه معنى التعجّب كقولك‏:‏ يا لك فارساً قولُ الأخوص ابن شُريح الكلابي‏:‏ تمنّاني ليلقاني لَقيطٌ أعامِ لك بنَ صعصعةَ بنِ سعدِ وإنما دعاهم لهم تعجباً لأنه قد تبيّن لك أن المنادى يكون فيه معنى أفعِل به يعني يا لك فارساً‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أن هذا البيت مثلُ ذلك للأخطل‏:‏ وقال في قول الشاعر‏:‏ يا هندُ هندٌ بين خِلبٍ وكَبدْ أنه أراد‏:‏ أنتِ بين خِلب وكبد فجعلها نكرة‏.‏

وقد يجوز أن تقول بعد النداء مقبِلاً على مَن تحدّثه‏:‏ هندٌ هذه بين خِلبٍ وكبدٍ فيكون معرفة‏.‏

  هذا باب الترخيم

والترخيم حذفُ أواخر الأسماء المفرد تخفيفاً كما حذفوا غير ذلك من كلامهم تخفيفاً وقد كتبناه فيما مضى وستراه فيما بقي إن شاء الله تعالى‏.‏

واعلم أن الترخيم لا يكون إلا في النداء إلا أن يُضطرّ شاعرٌ وإنما كان ذلك في النداء لكثرته في كلامهم فحذفوا ذلك كما حذفوا التنوين وكما حذفوا الياء من قومي ونحوه في النداء‏.‏

واعلم أن الترخيم لا يكون في مضاف إليه ولا في وصف لأنهما غيرُ منادَيين ولا يرخّم مضاف ولا اسمٌ منوّن في النداء من قبل أنه جرى على الأصل وسلِم من الحذف حيث أُجري مجراه في غير النداء إذا حملتَه على ما ينصب‏.‏

يقول‏:‏ إن المحذوف في الترخيم إنما يقع على النداء لا على الإعراب وحين قلت يا زيد أقبل فحذفت ياء الإضافة كنت إنما حذفت هذا الإعراب وحين قلت يا زيد أقبل فحذفت ياء الإضافة كنت إنما حذفت هذا الإعراب ومع ذلك إنه إنما ينبغي أن تحذف آخر شيء في الاسم ولا يُحذف قبل أن تنتهي الي آخره لأن المضاف إليه من الاسم الأول بمنزلة الوصل من الذي إذا قلت الذي قال وبمنزلة التنوين في الاسم‏.‏

ولا ترخّم مستغاثاً به إذا كان مجروراً لأنه بمنزلة المضاف إليه‏.‏

ولا ترخّم المندوب لأن علامته وإذا ثنّيت لم ترخّم لأنها كالتنوين‏.‏

واعلم أن الحرف الذي يلي ما حذفت ثابتٌ على حركته التي كانت فيه قبل أن تحذف إن كان فتحاً أو كسراً أو ضماً أو وقفاً لأنك لم ترد أن تجعل ما بقي من الاسم اسماً ثابتاً في النداء وغير النداء ولكنك حذفت حرف الإعراب تخفيفاً في هذا الموضع وبقي الحرف الذي يلي ما حُذف على حاله لأنه ليس عندهم حرفَ الإعراب‏.‏

وذلك قولك يا حارث‏:‏ يا حار وفي سلَمة‏:‏ يا سَلَم وفي بُرثُن‏:‏ يا بُرثُ وفي هرقل‏:‏ يا هِرَقْ‏.‏

  باب ما أواخر الأسماء فيه الهاء

اعلم أن كل اسم كان مع الهاء ثلاثة أحرف أو أكثر من ذلك كان اسماً خاصاً غالباً أو اسماً عاماً لكل واحد من أمة فإن حذف الهاء منه في النداء أكثر في كلام العرب‏.‏

فأما ما كان اسماً غالباً فنحو قولك‏:‏ يا سلَمَ أقبل‏.‏

وأما الاسم العام العامّ فنحو قول العجّاج‏:‏ جاريَ لا تستنكري عذيري إذا أردت يا سَلَمةُ ويا جاريةُ‏.‏

وأما ما كان على ثلاثة أحرف مع الهاء فنحو قولك‏:‏ يا شا ارْجُني ويا ثُبَ أقبِلي إذا أردت‏:‏ واعلم أن ناساً من العرب يثبتون الهاء فيقولون‏:‏ يا سلمةُ أقبلْ وبعض من يُثبت يقول‏:‏ يا سلمةَ أقبل‏.‏

واعلم أن العرب الذين يحذفون في الوصل إذا وقفوا قالوا‏:‏ يا سلمهْ ويا طلحَهْ‏.‏

وإنما ألحقوا هذه الهاء ليبينوا حركة الميم والحاء وصارت هذه الهاء لازمة لهما في الوقف كما لزمت الهاء وقف ارمه ولم يجعلوا المتكلم بالخيار وحذف الهاء عند الوقف وإثباتها من قبل أنهم جعلوا الحذف لازماً لهاء التأنيث في الوصل كما لزم حذفُ الهاء من ارمِهْ في الوصل وكأنهم ألزموا هذه الهاء في ارْمِهْ في الوقف ولم يجعلوها بمنزلتها إذا بيّنتَ حركة ما لم يحذف بعده شيء نحو علَيَّهْ وإليّهْ ولكنها لازمة كراهية أن يجتمع في ارمِه حذف الهاء وترك الحركة فأرادوا أن تثبت الحركة على كل حال ليكون ثباتُها عوضاً من الحذف للياء والهاء فبُيّنت الحركة بالهاء في السكوت ليكون ثباتُها في الاسم على كل حال لئلا يُخلّوا به‏.‏

واعلم أن الشعراء إذا اضطروا حذفوا هذه الهاء في الوقف وذلك لأنهم يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلاً منها‏.‏

وقال الشاعر ابن الخرع‏:‏ كادت فزارةُ تشقي بنا فأولى فزارةُ أولى فَزارا قفي قبل التفرّق يا ضُباعا وقال هُدبةُ‏:‏ عُوجي علينا واربَعي يا فاطِما وإنما كان الحذف ألزمَ للهاءات في الوصل وفيها أكثر منه في سائر الحروف في النداء من قبل أن الهاء في الوصل في غير النداء تبدّل مكانَها التاء فلما صارت الهاء في موضع يحذف منه لا يُبدّل منه شيء تخفيفاً كان ما يُبدّل ويُغيّر أولى بالحذف وهو له ألزم وجعلوا تغييره الحذف في موضع الحذف إذ كان متغيراً لا محالة‏.‏

وسمعنا الثقة من العرب يقول‏:‏ يا حَرملْ يريد يا حَرمَلَهْ كما قال بعضهم‏:‏ إرْمْ يقفون بغير هاء‏.‏

واعلم أن هاء التأنيث إذا كانت بعد حرف زائد لو لم تكن بعده حُذف أو بعد حرفين لو لم تكن بعدهما حُذفا زائدين لم يحذف من قبل أن الحروف الزوائد قبل الهاء في الترخيم بمنزلة غير الزوائد من الحروف وذلك قولك في طائفية‏:‏ يا طائفي أقبلي وفي مَرجانة‏:‏ يا مرجانَ أقبلي‏.‏

وفي رعشنةٍ‏:‏ يا رَعْشَنَ أقبلي وفي سِعلاةٍ‏:‏ يا سِعلا أقبلي‏.‏

ولو حذفتَ ما قبل الهاء كحذفك إياه وليس بعده هاء لقلت في رجل يسمّى عُثمانةَ يا عُثمَ أقبل لأن الهاء لو لم تكن ههنا لقلت يا عُثْمَ أقبل فإنما الكلام أن تقول يا عُثمان أقبل‏.‏

فأجْرِ ترخيمَ هذا بعد الزوائد مجراه إذا كان بعدما هو من نفس الحرف‏.‏

ومَن حذف الزوائد مع الهاء فإنه ينبغي له أن يقول في فاظمة‏:‏ يا فاطِ لا تفعلي من قبل أن الهاء لو لم تكن بعد الميم لقلت يا فاطِ كما تقول يا حارِ فأنت تحذف ما هو من نفس الحرف كما تحذف الزوائد فإذا ألحقته الزوائد لم تحذفه مع الزوائد‏.‏

فكذلك الزوائد إذا ألحقتَها مع الزوائد لم تحذفها معها‏.‏

  باب يكون فيه الاسم بعدما يُحذف منه الهاء

بمنزلة اسم يتصرّف في الكلام لم يكن فيه هاء قط وذلك قول بعض العرب وهو عنترة العبسي‏:‏ يَدعون عنترُ والرماحُ كأنها أشطانُ بيرٍ في لَبان الأدهمِ جعلوا الاسم عنترا وجعلوا الراء حرف الإعراب‏.‏

وقال الأسود بن يعفُر تصديقاً لهذه اللغة‏:‏ ألا هل لهذا الدهر من مُتعلّلِ عن الناس مهما شاء بالناس أن يفعل وهذا ردائي عنده يستعيره ليسلُبَني حقي أمالِ بنَ حنظلِ وذلك لأن الترخيم يجوز في الشعر في غير النداء فلما رخّم جعل الاسم بمنزلة اسمٍ ليست فيه هاء‏.‏

وقال رؤبة‏:‏

إما تَرَيني اليومَ أمَّ حمزِ ** قاربتُ بين عَنَقي وجَمزي

وإنما أراد‏:‏ أمّ حمزة‏.‏

وأما قول ذي الرمة‏:‏

ديارَ ميّةَ إذ مَيٌّ تُساعفُنا ** ولا يرى مثلَها عُجمٌ ولا عربُ

فزعم يونس أنه كان يسميها مرة ميّة ومرة ميّا ويجعل كل واحد من الاسمين اسماً لها في النداء وفي غيره‏.‏

وعلى هذا المثال قال بعض العرب إذا رخّموا‏:‏ يا طَلحُ ويا عنترُ‏.‏

وقد يكون قولهم يدعون عنترُ بمنزلة ميَّ لأن ناساً من العرب يسمونه عنتراً في كل موضع‏.‏

ويكون أن تجعله بمنزلة ميّ بعد ما حذفت منه وقد يكون ميٌّ أيضاً كذلك يجعلها بمنزلة ما ليس فيه هاء بعد ما تحذف الهاء‏.‏

وأما قول العرب‏:‏ يا فُلُ أقبلْ فإنهم لم يجعلوه اسماً حذفوا منه شيئاً يثبت فيه في غير النداء ولكنهم بنوا الاسمَ على حرفين وجعلوه بمنزلة دم‏.‏

والدليل على ذلك أنه ليس أحدٌ يقول يا فُلَ فإن عنوا امرأة قالوا‏:‏ يا فُلةُ‏:‏ وهذا الاسم اختُصّ به النداء وإنما بُني على حرفين لأن النداء موضعُ تخفيف ولم يجز في غير النداء لأنه جُعل اسماً لا يكون إلا كنايةً لمنادى نحو يا هَناهْ ومعناه يا رجلُ‏.‏

وأما فلان فإنما هو كناية عن اسم سُمي به المحدّث عنه خاصّ غالب‏.‏

وقد اضطُرّ الشاعرُ فبناه على حرفين في هذا المعنى‏.‏

قال أبو النجم‏:‏ في لجّة أمسِكْ فُلاناً عن فُلِ

  هذا باب إذا حذفتَ منه الهاء

وجعلت الاسم بمنزلة ما لم تكن فيه الهاء أبدلتَ حرفاً مكان الحرف الذي يلي الهاء وإن لم تجعله بمنزلة اسم ليس فيه الهاء لم يتغير عن حاله التي كان عليها قبل أن تحذف‏.‏

وذلك قولك في عَرقوةٍ وقَمَحدوَةٍ وإن جعلت الاسم بمنزلة اسم لم تكن فيه الهاء على حالٍ‏:‏ يا عَرقي ويا قَمَحْدي من قبل أنه ليس في الكلام اسمٌ آخر كذا‏.‏

وكذلك إن رخّمتَ رَعومٌ وجعلته بهذه المنزلة قلت يا رَعي‏.‏

وإن رخّمت رجلاً يسمى قَطَوان فجعلته بهذه المنزلة قلت‏:‏ يا قَطا أقبلْ‏.‏

فإن رخّمت رجلاً اسمُه طُفاوةُ قلت‏:‏ يا طُفاءُ أقبلْ من قبل أنه ليس في الكلام اسمٌ هكذا آخِره يكون حرفَ الإعراب يعني الواو والياء إذا كانت قبلهما ألف زائدة ساكنة لم يثبتا على حالهما ولكن تُبدّل الهمزة مكانَهما‏.‏

فإن لم تجعلهما حروف الإعراب فهي على حالها قبل أن تحذف الهاء وذلك قولك‏:‏ يا طُفاوَ أقبلْ إذا لم ترد أن تجعله بمنزلة اسم ليست فيه الهاء‏.‏

واعلم أن ما يُجعل بمنزلة اسم ليست فيه هاء أقلُّ في كلام العرب وترك الحرف على ما كان عليه قبل أن تُحذف الهاء أكثر من قبل أن حرف الإعراب في سائر الكلام غيره‏.‏

وهو على ذلك عربي‏.‏

وقد حملهم ذلك على أن رخّموه حيثُ جعلوه بمنزلة ما لا هاء فيه‏.‏

قال العجّاج‏:‏ فقد رأى الراءون غيرَ البُطَّلِ أنك يا مُعاوِ يا ابنَ الأفضلِ يريد‏:‏ يا مُعاوية‏.‏

وتقول في حَيْوَةَ‏:‏ يا حَيوَ أقبل فإن رفعت الواو تركتها على حالها لأنه حرف أُجري على الأصل وجُعل بمنزلة غزوٍ ولم يكن التغيير لازماً وفيه الهاء‏.‏

واعلم أنه لا يجوز أن تحذف الهاء وتجعل البقية بمنزلة اسم ليست فيه الهاء إذا لم يكن اسماً خاصاً غالباً من قبل أنهم لو فعلوا ذلك التبس المؤنّث بالمذكّر‏.‏

وذلك أنه لا يجوز أن تقول للمرأة‏:‏ يا خبيثُ أقبلي‏.‏

وإنما جاز في الغالب لأنك لا تذكّر مؤنثاً ولا تؤنث مذكراً‏.‏

واعلم أن الأسماء التي ليس في أواخرها هاء أن لا يُحذف منها أكثر لأنهم كرهوا أن يُخِلّوا بها وإن حذفتَ فحسن‏.‏

وليس الحذف لشيء من هذه الأسماء ألزم منه لحارث ومالك وعامر وذلك لأنهم استعملوها كثيراً في الشعر وأكثروا التسمية بها للرجال‏.‏

قال مهلهل بن ربيعة‏:‏ يا حارِ لا تجهلْ على أشياخِنا إنّا ذَوو السّوراتِ والأحلام وقال امرؤ القيس‏:‏ أحارِ ترى برقاً أُريكَ وميضَهُ كلمعِ اليدين في حَبيّ مكلّلِ وقال الأنصاري‏:‏ يا مالِ والحقّ عنده فقفوا وقال النابغة الذبياني‏:‏ فصالحونا جميعاً إن بدا لكلم ولا تقولوا لنا أمثالَها عام وهو في الشعر أكثر من أن أحصيه‏.‏

وكل اسم خاص رخّمته في النداء فالترخيم فيه جائز وإن كان في هذه الأسماء الثلاثة أكثر‏.‏

فمن ذلك قول الشاعر‏:‏ فقلتم تعال يا يَزي بنَ مُخرِّم فقلت لكم إني حليف صُداءِ وهو يزيد بن مخرّم‏.‏

ألا يا ليلَ إن خُيّرتِ فينا بنفسي فانسري أين الخيارُ يريد في الأول‏:‏ يزيد وفي الثاني ليلى‏.‏

وقال أوس بن حجر‏:‏ تسكّرتِ منّا بعد معرفةٍ لَمي يريدُ‏:‏ لميسَ‏.‏

واعلم أن كل شيء جاز في الاسم الذي في آخره هاء بعد أن حذفت الهاء منه في شعر أو كلام يجوز فيما لا هاء فيه بعدُ أن تحذف منه‏.‏

فمن ذلك قول امرئ القيس‏:‏ لَنِعمَ الفتى تَعشو الى ضوء ناره طريفُ بن مالٍ ليلة الجوع والخصَرْ جعل ما بقي بعد ما حذف بمنزلة اسم لم يُحذف منه شيء كما جعل ما بقي بعد حذف الهاء بمنزلة اسمٍ لم تكن فيه الهاء‏.‏

وقال رجل من بني مازن‏:‏ عليّ دماء البُدنِ إن لم تفارقي أبا حردَبٍ ليلاً وأصحابَ حردَبِ وقال وهو مصنوع على طرفة وهو لبعض العِباديين‏:‏ أسعدَ بنَ مالٍ ألم تعلموا وذو الرأي مهما يقُل يصدُقِ واعلم أن كل اسم على ثلاثة أحرف لا يحذف منه شيء إذا لم تكن آخره الهاء‏.‏

فزعم الخليل رحمه الله أنهم خففوا هذه الأسماء التي ليست أواخرها الهاء ليجعلوا ما كان على خمسة على أربعة وما كان على أربعة على ثلاثة‏.‏

فإنما أرادوا أن يقرّبوا الاسم من الثلاثة أو يصيّروه إليها وكان غاية التخفيف عندهم لأنه أخف شيء عندهم في كلامهم ما لم يُنتقص فكرهوا أن يحذفوه إذ صار قصاراهم أن ينتهوا إليه‏.‏

واعلم أنه ليس من اسم لا تكون في آخره هاء يُحذف منه شيء إذا لم يكن اسماً غالباً نحو زيد وعمرو من قبل أن المعارف الغالبة أكثر في الكلام وهم لها أكثر استعمالاً وهم لكثرة استعمالهم إياها قد حذفوا منها في غير النداء نحو قولك‏:‏ هذا زيد بن عمرو ولم يقولوا هذا زيد ابنُ أخيك‏.‏

ولو حذفت من الأسماء غير الغالبة لقلت في مسلمين‏:‏ يا مُسلم أقبِلوا وفي راكب‏:‏ يا راكِ أقبلْ‏.‏

إلا أنهم قد قالوا‏:‏ يا صاح وهم يريدون يا صاحبُ وذلك لكثرة استعمالهم هذا الحرف فحذفوا كما قالوا‏:‏ لم أُبَلْ ولم يكُ ولا أدرِ‏.‏

  هذا باب ما يُحذف من آخره حرفان

وذلك قولك في عثمان‏:‏ يا عُثْمَ أقبلْ وفي مروان‏:‏ يا مرْوَ أقبل وفي أسماء‏:‏ يا أسمَ أقبلي‏.‏

وقال الفرزدق‏:‏

يا مَروَ إن مطيّتي محبوسةً ** ترجو الحِباء وربّها لم ييأسِ

وقال الراجز‏:‏ يا نعمَ هل تحلف لا تَدينُها وقال لبيد‏:‏ يا أسمَ صبراً على ما كان من حدثٍ إن الحوادث مَلقيٌّ ومنتظَرُ وإنما كان هذان الحرفان بمنزلة زيادة واحدة من قبل أنك لم تُلحق الحرفَ الآخِر أربعة أحرف رابعهن الألف من قبل أن تزيد النون التي في مروان والألف التي في فعلاء ولكن الحرف الآخر الذي قبله زيدا معاً كما أن ياءَي الإضافة وقعتا معاً‏.‏

ولم تلحق الآخرةَ بعد ما كانت الأولى لازمة كما كانت ألف سلمى إنما لحقتْ ثلاثة أحرف ثالثها الميم لازمها ولكنهما زيادتان لحقتا معاً فحذفتا جميعاً كما لحقنا جميعاً‏.‏

وكذلك ترخيم رجل يقال له مسلمون بحذف الواو والنون جميعاً من قبل أن النون لم تلحق واواً ولا ياء قد كانت لزمت قبل ذلك‏.‏

ولو كانت قد لزمت حتى تكون بمنزلة شيء من نفس وكذلك رجل اسمه مُسلمان‏:‏ تحذف الألف والنون‏.‏

وأما رجل اسمه بَنون فلا يُطرح منه إلا النون لأنك لا تصيّر اسماً على أقل من ثلاثة أحرف‏.‏

ومن جعل ما بقي من الاسم بعد الحذف بمنزلة اسم يتصرف في الكلام لم تكن فيه زيادة قطّ قال يا بَني لأنه ليس في الكلام اسم يتصرّف آخره كآخِر بَنو‏.‏

  هذا باب يكون فيه الحرف الذي من نفس الاسم

وما قبله بمنزلة زائد وقع وما قبله جميعاً

وذلك قولك في منصور‏:‏ يا مَنصُ أقبلْ وفي عمارٍ‏:‏ يا عمّ أقبل وفي رجل اسمه عنتريسٌ‏:‏ يا عنتَرِ أقبلْ‏.‏

وذلك لأنك حذفت الآخر كما حذفت الزائد وما قبله ساكن بمنزلة الحرف الذي كان قبل النون زائداً فهو زائد كما كان ما قبل النون زائداً ولم يكن لازماً لما قبله من الحروف ثم لحقه ما بعده لأن ما بعده ليس من الحروف التي تُزاد‏.‏

فلما كانت حال هذه الزيادة حالَ تلك الزيادة وحُذفت الزيادة وما قبلها حُذف هذا الذي من نفس الحرف‏.‏

  باب تكون الزوائد فيه بمنزلة ما هو من نفس الحرف

وذلك قولك في قَنَوَّرٍ‏:‏ يا قنوَّ أقبلْ وفي رجل اسمه هَبَيّخ‏:‏ يا هَبَيّ أقبل لأن هذه الواو التي في قنوّر والياء التي في هبيّخ بمنزلة الواو التي في جدول والياء التي في عِثيَر‏.‏

وإنما لحقنا لتُلحقا ما كان على ثلاثة أحرف ببنات الأربعة وليصير بمنزلة حرف من نفس الحرف كفاء جعفر في هذا الاسم‏.‏

ويدلك على أنها بمنزلتها أن الألف التي تجيء لتُلحق الثلاثة بالأربعة منوّنة كما ينوّن ما هو من نفس الحرف وذلك نحو مِعزى‏.‏

ومع ذلك أن الزوائد تلحقها كما تلحق ما ليس فيه زيادة نحو جِلواخٍ وجِريال وقِرواح كما تقول سِرداح‏.‏

وتقدّم قبل هذه الزيادة الياء والواو زائدتين كما تقدّم الحرف الذي من نفس الحرف في فَدَوْكس وخَفَيدَد وهي الواو التي في قنوّر الأولى والياء التي في هبيّخ الأولى بمنزلة ياء سَميدَع فصار قنوّر بمنزلة فدوْكَس وهبيّخ بمنزلة سَميدَع وجدول بمنزلة جعفر فأجروا هذه الزوائد بمنزلة ما هو من نفس الحرف فكرهوا أن يحذفوها إذ لم يحذفوا ما شبّهوها به وما جعلوها بمنزلته‏.‏

ولو حذفوا من سميدع حرفين لحذفوا من مهاجر حرفين فقالوا‏:‏ يا مُها وهذا لا يكون لأنه إخلال مُفرط بما هو من نفس الحرف‏.‏

  باب تكون الزوائد فيه أيضاً بمنزلة

وذلك قولك في رجل اسمه حَولايا أو بَردَرايا‏:‏ يا بَردراي أقبلْ ويا حَولاي أقبل من قبل أن هذه الألف لو جيء بها للتأنيث والزيادة التي قبلها لازمة لها يقعان معاً لكانت الياء ساكنة وما كانت حية لأن الحرف الذي يجعل وما بعده زيادة واحدة ساكن لا يتحرك ولو تحرك لصار بمنزلة حرف من نفس الحرف ولجاء بناء آخرُ‏.‏

ولكن هذه الألف بمنزلة الهاء التي في درحاية وفي عفارية لأن الهاء إنما تلحق للتأنيث والحرف الذي قبلها بائن منها قد لزم ما قبله قبل أن تلحق‏.‏

وكذلك الألف التي تجيء للتأنيث إذا جاءت وحدها لأن حال الحرف الذي قبلها كحال الحرف الذي قبل الهاء والهاء لا تكون أبداً مع شيء قبلها زائد بمنزلة زيادة واحدة وإن كان ساكناً نحو ألف سِعلاة‏.‏

ولو كانت بمنزلة زيادة واحدة لم يقولوا سُعَيلِية ولكانت في التحقير ياء مجزومة كالياء التي تكون بدل ألف سِرحان إذا قلت سُرَيحين أو بمنزلة عُثمان إذا قلت عُثيمان ولكنها لحقت حرفاً جيء به ليلحق الثلاثة ببنات الأربعة‏.‏

وكذلك ألف التأنيث إذا جاءت وحدها يدلّك على ذلك تحرّك ما قبلها وحياته‏.‏

وإنما كانت هذه الأحرف الثلاثة الزوائد‏:‏ الياء والواو والألف وما بعدها بمنزلة زيادة واحدة لسكونها وضعفها فجعلتْ وما بعدها بمنزلة حرف واحد إذ كانت ميتة خفية‏.‏

ويدلك على أن الألف التي في حَولايا بمنزلة الهاء أنك تقول‏:‏ حَولائي كما تقول‏:‏ دِرحائي‏.‏

ولو كانت وما قبلها بمنزلة زيادة واحدة لم تحذف الألف كما لا تحذفها إذا قلت‏:‏ خُنفساوي‏.‏

  باب ما إذا طُرحت منه الزائدتان اللتان بمنزلة زيادة واحدة رجعت حرفاً

وذلك قولك في رجل اسمه قاضون‏:‏ يا قاضي أقبل وفي رجل اسمه ناجيّ‏:‏ يا ناجي أقبل أظهرت الياء لحذف الواو والنون وفي رجل اسمه مُصطَفون‏:‏ يا مصطفى أقبل‏.‏

وإنما رددت هذه الحروف لأنك لم تَبن الواحد على حذفها كما بُنيت دمٌ على حذف الياء ولكنك حذفتهن لأنه لا يسكن حرفان معاً فلما ذهب في الترخيم ما حذفتهن لمكانه رجعتهن‏.‏

فحذف الواو والنون ههنا كحذفها في مسلمين لأن حذفها لم يكن إلا لأنه لا يسكن حرفان معاً والياء والألف يعني في قاضي ومصطفى تثبتان كما ثبتت الميم في مسلمين‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ ‏"‏ غيرَ مُحِلّي الصيدِ وأنتم حُرُم ‏"‏‏.‏

وهذا قول الخليل رحمه الله‏.‏

فإذا لم تذكر الصيد قلت مُحلّي‏.‏

  باب يحرَّك فيه الحرف الذي يليه المحذوف

وهو قولك في رجل اسمه رادٌّ‏:‏ يا رادِ أقبل‏.‏

وإنما كانت الكسرة أولى الحركات به لأنه لو لم يُدغم كان مكسوراً فلما احتجتَ الى تحريكه كان أولى الأشياء به ما كان لازماً له لو لم يُدغم‏.‏

وأما مفرٌّ فإذا حذفت منه وهو اسم رجل لم تحرَّك الراء لأن ما قبلها متحرك‏.‏

وإن حذفت من اسم مُحمارّ أو مُضارّ قلت‏:‏ يا مُحمارِ ويا مُضارِ تجيء بالحركة التي هي له في الأصل كأنك حذفت من مُحمارر حيث لم يجز لك أن تُسكِن الراء الأولى‏.‏

ألا ترى أنك إذا احتجت الى تحريكها والراء الآخرة ثابتة لم تحرّك إلا على الأصل وذلك قولك لم يَحمارِرْ فقد احتجت الى تحريكها في الترخيم كما احتجت إليه هنا حين جزمت الراء الآخرة‏.‏

وإن سمّيته بمضارّ وأنت تريد المفعول قلت‏:‏ يا مُضارَ أقبل كأنك حذفت من مُضارَر‏.‏

وأما مُحمرٌّ إذا كان اسم رجل فإنك إذا رخّمته تركت الراء الأولى مجزومة لأن ما قبلها متحرك فلا تحتاج الى حركتها‏.‏

ومن زعم أن الراء الأولى زائدة كزيادة الواو والياء والألف فهو لا ينبغي له أن يحذفها مع الراء الآخرة من قبل أن هذا الحرف ليس من حروف الزيادة وإنما يُزاد في التضعيف فأشبه عندهم المضاعَف الذي لا زيادة فيه نحو مرتدّ وممتدّ حين جرى مجراه ولم يجئ زائداً غير مضاعَف لأنه ليس عندهم من حروف الزيادة وإنما جاء زائداً في التضعيف لأنه إذا ضوعِف جرى مجرى المضاعَف الذي ليس فيه زيادة‏.‏

ولو جعلت هذا الحرف بمنزلة الياء والألف والواو لثبت في التحقير والجمع الذي يكون ثالثه ألفاً‏.‏

ألا ترى أنه صار بمنزلة اسم على خمسة أحرف ليس فيه زيادة نحو جردَحْل وما أشبه ذلك‏.‏

وأما رجل اسمه إسحارٌّ فإنك إذا حذفت الراء الآخرة لم يكن لك بدٌّ من أن تحرك الراء الساكنة لأنه لا يلتقي حرفان ساكنان‏.‏

وحركته الفتحة لأنه يلي الحرف الذي منه الفتحة وهو الألف‏.‏

ألا ترى أن المضاعف إذا أُدغم في موضع الجزم حُرّك آخر الحرفين لأنه لا يلتقي ساكنان وجُعل حركته كحركة أقرب المتحركات منه‏.‏

وذلك قولك‏:‏ لم يردُّ ولم يرتدّ ولم يفرّ ولم يعضّ‏.‏

فإذا كان أقرب من المتحرك إليه الحرف الذي منه الحركة المفتوحة ولا يكون ما قبله إلا مفتوحاً كان أجدرَ أن تكون حركته مفتوحة لأنه حيث قرب من الحرف الذي منه الفتحة وإن كان بينهما حرف كان مفتوحاً فإذا قرب منه هو كان أجدرَ أن تفتحه وذلك لم يُضارّ‏.‏

وكذلك تقول‏:‏ يا إسحارّ أقبل فعلت بهذه الراء ما كنت فاعلاً بالراء الآخرة لو ثبت الراءان ولم تكن الآخرة حرف الإعراب فجرى عليها ما كان جارياً على تلك كما جرى على ميم مُدّ ما كان بعد الدال الساكنة وامُدُد هو الأصل‏.‏

إن شئت فتحت اللام إذا أسكنتَ على فتحة انطلق ولم يلْدَ إذا جزموا اللام‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أنه سمع العرب يقولون وهو قول رجل ألا رُبّ مولود وليس له أب وذي ولد لم يلْدَهُ أبوانِ جعلوا حركته كحركة أقرب المتحركات منه‏.‏

فهذا كأينَ وكيف‏.‏

وإنما منع إسحارّا أن يكون بمنزلة مُحمارّ أن أصل محمارّ مُحمارِر يدلك على ذلك فعله إذا قلت لم يَحمارِر‏.‏

وأما إسحارٌّ فإنما هو اسم وقع مُدّغماً آخره وليس لرائه الأولى في كلامهم نصيب في الحركة ولا تقع إلا ساكنة كما أن الميم الأولى من الحُمّر والراء الأولى من شرّاب لا يقعان إلا ساكنين ليستا عندهم إلا على الإسكان في الكلام وفي الأصل‏.‏

وسنبيّن ذلك في باب التصريف إن شاء الله‏.‏

  باب الترخيم

في الأسماء التي كل اسم منها من شيئين كانا بائنين فضُمّ أحدهما الى صاحبه فجُعلا اسماً واحداً بمنزلة عَنتريس وحَلكوك وذلك مثل حَضرَموت ومَعدي كَرب وبُخْتَ نصّر ومارَسَرجِس ومثل رجل اسمه خمسة عشر ومثل عمرَوَيه‏.‏

فزعم الخليل رحمه الله أنه تحذف الكلمة التي ضُمّت الى الصدر رأساً وقال‏:‏ أراه بمنزلة الهاء‏.‏

ألا ترى أني إذا حقّرته لم أغيّر الحرف الذي يليه كما لم أغيّر الذي يلي الهاء في التحقير عن حاله التي كان عليها قبل أن يُحقَّر وذلك قولك في تَمرة تُميرَة فحال الراء واحدة‏.‏

وكذلك التحقير في حضرمَوت تقول حُضَيرَموت وقال‏:‏ أُراني إذا أضفت الى الصدر وحذفت الآخر فأقول في مَعدي كَرب‏:‏ معديّ وأقول في الإضافة الى أربعة عشر أربعيّ فحذف الاسم الآخر بمنزلة الهاء فهو في الموضع الذي يُحذف فيه ما يثبت في الإضافة أجدر أن يحذف إذا أردت أن ترخّم‏.‏

وهذا يدل على أن الهاء تُضمّ الى الأسماء كما يُضمّ الاسم الآخر الى الأول‏.‏

ألا ترى أنها لا تُلحق بنات الثلاثة بالأربعة ولا الأربعة بالخمسة كما أن هذه الأسماء الآخرة لم تُضمّ الى الصدر لتُلحق الصدر ببنات الأربعة ولا لتُلحقه ببنات الخمسة وذلك لأنها ليست زائدات في الصدور ولا هي منها ولكنها موصولة بها وأُجريت مجرى عنتَريس ونحوه ولا يغيَّر لها بناء كما لا يغيّر لياء الإضافة أو ألف التأنيث أو لغيرهما من الزيادات‏.‏

وسترى ذلك في موضعه إن شاء الله عز وجل ذكره‏.‏

كما أن الأسماء الآخرة لم تغيّر بناء الأولى عن حالها قبل أن تُضمّ إليها لم تغيّر خمسة في خمسة عشر عن حالها‏.‏

فالهاء وهذه الأسماء الآخرة مضمومة الى الصدور كما يُضمّ المضاف إليه الى المضاف لأنهما كانا بائنين وُصل أحدهما بالآخر فالآخر بمنزلة المضاف إليه في أنه ليس وإذا رخّمت رجلاً اسمه خمسة عشر قلت‏:‏ يا خمسةَ أقبل وفي الوقف تبيّن الهاء - يقول لا تجعلها تاء - لأنها تلك الهاء التي كانت في خمسة قبل أن تُضمّ إليها عشرَ‏.‏

كما أنك لو سمّيت رجلاً مُسلمين قلت في الوقف‏:‏ يا مُسلِمَهْ لأن الهاء لو أبدلت منها تاء لتُلحق الثلاثة بالأربعة لم تحرّك الميم‏.‏

وأما اثنا عشر فإذا رخّمته حذفت عشر مع الألف لأن عشر بمنزلة نون مُسلمين والألف بمنزلة الواو وأمره في الإضافة والتحقير كأمر مُسلمين‏.‏

يقول‏:‏ تُلقي عشر مع الألف كما تُلقي النون مع الواو‏.‏

واعلم أن الحكاية لا ترخَّم لأنك لا تريد أن ترخّم غير منادى وليس مما يغيّره النداء وذلك نحو تأبط شراً وبرق نحرُه وما أشبه ذلك‏.‏

ولو رخّمت هذا لرخمت رجلاً يسمى بقول عنترة‏:‏ يا دار عبلةَ بالجِواء تكلّمي‏.‏

  باب ما رخمت الشعراء في غير النداء اضطراراً

قال الراجز‏:‏ وقد وسطْتُ مالِكا وحنظلا أبو حَنَش يؤرقنا وطلْقٌ وعمّارٌ وآوِنةً أُثالا يريد‏:‏ أثالة‏.‏

وقال جرير‏:‏ ألا أضحتْ حِبالكمُ رِماما وأضحت منك شاسعةً أُماما يشقّ بها العساقِل مُؤْجَداتٌ وكلُّ عرَنْدَس ينفي اللُّغاما وقال زهير‏:‏ خذوا حظّكم يا آل عِكرم واذكروا أواصِرَنا والرِّحمُ بالغيب تُذكرُ وقال آخر وهو ابن حَبْناء التميمي‏:‏ إن ابن حارثَ إن أشتَقْ لرؤيته أو أمتدِحه فإن الناس قد علموا وأما قول الأسود بن يعفر‏:‏ أودى ابنُ جُلهُمَ عبّادٌ بصرْمته إن ابن جُلهُم أمسى حيّة الوادي فإنما أراد أمه جُلهم‏.‏

والعرب يسمون المرأة جُلهم والرجل جُلهُمة‏.‏

وأما قوله وهو رجل من بني يشكر‏:‏ لها أشارير من لحم تُتَمّرُه من الثّعالي ووزخزٌ من أرانيَها ومنهلٍ ليس له حَوازق ولِضفادي جَمّه نقانقُ وإنما أراد ضفادع فلما اضطرّ الى أن يقف آخر الاسم كره أن يقف حرفاً لا يدخله الوقف في هذا الموضع فأبدل مكانه حرفاً يوقَف في الجر والرفع‏.‏

وليس هذا لأنه حذف شيئاً فجعل الياء عوضاً منه لو كان ذلك لعوضت حارثاً الياء حيث حذفت الثاء وجعلت البقية بمنزلة اسم يتصرّف في الكلام على ثلاثة أحرف وذلك حين قلت يا حارُ‏.‏

ولو قلت هذا لقلت يا مَروي إذا أردت أن تجعل ما بقي من مروان بمنزلة ما بقي من حارث حين قلت‏:‏ يا حارُ‏.‏